في أوائل سنة 2000 كنا لازلنا نستكشف الإنترنت، وكانت توجد محركات بحث، لكن كنا نتعب كثيرا من أجل فتح صفحة تحتوي على معلومة أو اثنتين.
لكن فجأة تغيرت الدنيا والعلم أوجد لنا تحفة القرن 21، ظهر في حياتنا “جوجل” google عملاق الإنترنت، غير في حياتنا كل صعب سهل، وفتح في وجوهنا باب للوصول للمعلومات بشكل أسرع وأسهل، لدرجة أننا قبل أن نسأل أنفسنا، أصبحنا نسأل جوجل أولا، وفي موضوع اليوم سنتعرف قصة نجاح شركة جوجل google.
لكن نجاح كيان كبير وعملاق مثل جوجل لم يأتي من فراغ بل مرّ من محاولات فاشلة وناجحة كثيرة، وكان أحد أنجح مشاريع الدكتوراه في التاريخ، لأنك تلاحظ تأثيره بشكل كبير على العديد من مناحي الحياة، لدرجة أنه تحول من اسم شركة إلى مصطلح في قاموس اللغة الإنجليزية.
والأن يحق لنا أن نسأل ما معنى جوجل؟، ومن أي جاء؟
سنة 2006 كانت سوزن وجيسكي هي المشرفة على تقنية الفيديو في شركة جوجل، في هذا الوقت كانت شركة يوتيوب هي المنافسة الأبرز لجوجل في مجال محركات البحث، كيف ذلك؟
يوتيوب شيء وجوجل شيء آخر، عندما كنت تبحث عن شيء في جوجل، تظهر لك نتائج مكتوبة، ولكن عندما تبحث في يوتيوب تظهر لكن نتائج عبارة عن فيديو، وهذا كان يشكل مصدر تفوق ليوتيوب، سوزن وشركة جوجل كانت تبحث عن طريقة لكسب هذه المنافسة والتفوق، واقتراح شراء يوتيوب كان موجودا على طاولة مجلس جوجل، ولم يكن الأمر صعب أو مستحيل، لأن غوغل في تلك الفترة كان رأس مالها بالمليارات.
سوزن لما كانت تفكر في طريقة كسب المنافسة، كانت تفتح حينها يوتيوب، فوجدت فيديو لشابين صينيين، يغنيان أغنية بطريقة ساخرة، حينها أدركت سوزان أهمية يوتيوب في فتح المجال للكثير من الناس للتعبير عن انفسهم وعن هواياتهم، وإيصالها للعالم، بمجرد التوفر على أنترنت، بالرغم من أن ذلك الفيديو حقق لمدة 14 سنة مليون مشاهدة، لكنه أضاف لخزينة جوجل متوسط 15 مليار دولار سنويا على دخلها، الأمر الذي دفع غوغل سنة 2006 لشراء يوتيوب بمليار و 650 مليون دولار.
من أجل أن تتحول سنة 2006 لأهم السنين في تاريخ شركة غوغل، حيث اشترت البناء الذي كانت تستأجره على مساحة 173،733 م2، بثمن 319 مليون دولار، من أجل أن توجد شركة جوجل بجانب عظماء صناع التكنولوجيا، في كاليفورنيا، واشترت يوتيوب كما قلنا لتمتلك أبرز محركات البحث على الأنترنت، وأهم مصدر للمعلومات.
الأمر الذي جعل جوجل تدخل قاموس oxford، أشهر قواميس اللغة الانجليزية، ومعناه ابحث في جوجل، فإذا سألت أي شخص يتحدث الانجليزي عن معلومة لا يعرفها، سيجيبك فورا بــــــ: بابحث عنها في جوجل.
يوتيوب كانت الصفقة الأهم في تاريخ شركة جوحل، لكن لم تكن الأولى ولا الأخيرة، ففي سنة 2005، قبل تاريخ شراء يوتيوب بسنة، اشترت شركة أندرويد بــ 50 مليون دولار، حينها كانت أندرويد Android شركة ناشئة لها سنتين في السوق، وكانت لاتزال تتخبط وتبحث عن التخصص الذي ستعمل فيه، ولكن قد تسأل وهل شركة تتخبط ولا تعرف ما تفعل ستباع بثمن ضخم بقية 50 مليون دولار؟، الإجابة إطلاقا، لكن شركة أندرويد كانت مختلفة، استطاعت في ظرف سنتين أن توجد لنفسها كيان ورأس مال محترم، حيث كانت من بين مشاريع أندرويد اختراع أنظمة متطورة لعمل الكاميرات الرقمية، ولما اكتشفت أن سوق الكاميرات الرقمية لا يعمل جيدا قررت، أن تدخل عالم صناعة أنظمة الهواتف، لمنافسة شركات أخرى كانت قائمة في تلك الفترة مثل شركة Nokia وغيرها، وأثناء هذه المحاولات تم بيع شركة Android لجوجل.
وكان لضم شركة Android لشركة جوجل، تأثير كبير على مستقبلها، باستفادتها من الدعم والموارد المالية الضّخمة لجوجل، واستطاعت إصدار أول تظام تشغيل لها في 23 سبتمبر 2008 تحت اسم Androidone، وبعدها بشهر ظهر أول هاتف يشتغل بنظام الأندرويد ، وقد أحدث هذا الإصدار طفرة في سوق الهواتف، الذي كانت حصة الأسد منه قبل سنة من إصدار الأندرويد من نصيب أبل، وهكذا استطاعت جوجل كسب أرباح ضخمة من صفقتي الأندرويد ويوتيوب.
بعدها بدأ يظهر في طريق شركة جوجل منافسين أقوياء، على اعتبار أن نظام الأندرويد وسع نظام المنافسة، ولم يدع شركة جوجل في منافسة مباشرة مع شركة آبل، بل وضعها في منافسة قوية كذلك أمام شركة Microsoft.
وعلى اعتبار أن كل من google و Microsoft شركتان قويتان في ميدان التكنولوجيا، ظهرت منافسة من جهة بين نظام Android و Microsoft mobile في ميدان الهواتف، ومن جهة أخرى منافسة بين البرامج والتطبيقات التي تنتجهما الشركتين من جهة ثانية.
وفي ميدان محركات البحث وجدت شركة جوجل نفسها في منافسة أمام محرك بحث اسمه bing لشركة Microsoft.
وتطبيق Gmail لجوجل أمام Hotmail لشركة Microsoft.
و Google maps أمام bing maps لشركة Microsoft.
وطبعا Google Chrome الذي نعرف جميعا كم أضر بــ internet explorer لــ Microsoft.
وبالمناسبة ظهور google Chrome كان نتيجة الجهود الكبيرة لشركة غوغل كي يظهر محركها ضمن أوائل خيرات التصفح ضمن برامج البحث الشهيرة مثل فيرفوكس مثلا.
وهنا ظهر ساندر بيتشاي أحد أبرز المطورين في شركة جوجل، واقترح فكرة إنتاج متصفح خاص بشركة جوجل، يكون سريع وسهل، الاستخدام، وساندر بيتشاي سنعود إليه فيما بعد.
شركة جوجل اهتمت كذلك في توسيع تطبيقات الهواتف لديها، وأنشأت المتجر الخاص بها على الهواتف وهو google play، وطورت google maps و Gmail الخاص بها، وأنشأت لهما تطبيقا على الهواتف، وأنشأت تطبيق google drive المعروف باتاحته مساحة لتخزين الملفات والصور وغيرها على سيرفرات google، لأي أحد يمتلك حساب في جوجل.
المنافسة بين شركتي google و Microsoft لم تقف هنا، بل قامت شركة Google بمنافسة الأوفيس office، أهم تطبيقات Microsoft، من خلال documents online الذي يتيح للمستخدمين العمل على الملفات online، وتسمح بمشاركة نفس الملفات بين أكثر من شخص، وباستخدام أسهل من office.
كما فكرت جوجل في تطبيقات تكميلية لخدمة المستخدمين، خصوصا تلك التي تهتم بتذكير المستخدم بمهامه وجدول أعمالها، وتدوين أفكاره وغيرها.
وكل هذا بالإضافة لخدمة جوجل الأشهر، google traduction الذي يحتوي على قاعدة بيانات لأكثر من 80 لغة حول العالم.
لكن دعنا من كل هذا واكتشف، ما تحاول جوجل فعله لكي تكون الاختيار الأول لنا جميعا، مثلا خدمة google maps الشهيرة، لم تقتصر جوجل من خلالها على تصوير الخرائط والأرض من فوق بالأقمار الاصطناعية، بل اتاحت من خلال خدمة google earth للمستخدمين امكانية مشاهدة الشوارع كما هي فالواقع، كما لو أنك تقف في ذلك المكان، باعتماد عربات تابعة لشركة جوجل، التي جالت في مناطق متعددة من العالم وصورتها بتقنية متطورة، وحتى الشوارع التي لا تصلها السيرات، لم تكن عائقا أمام جوجل فقد طورت عجلة توفر نفس المعلومات التي تجمعها السيارات التابعة لجوجل.
كذلك استطاعت جوجل جمع قاعدة بيانات تغطي حوالي %98 من مساحة الكرة الأرضية، وكذلك استطاعت أن تحسب نسبة ازدحام الشوارع، عن طريق سرعة تنقل أجهزة الأندرويد في الشارع نفسه.
لكن لكل تجربة محاولات فاشلة، فقد حاول جوجل مثلا اختراع تطبيق شبيه لفايسبوك وهو +google سنة 2011، لكن للأسف رغم وجود أكثر من 2،5 مليار من الحسابات على منصة +google، لكن نسبة حوالي 90٪ من المستخدمين لم يستخدمو التطبيق أساسا، مادفع شركة جوجل سنة 2019 إلى إغلاق +google، وهي التجربة التي عانت منها عدة تجارب حاولت اختراع وسيلة جديدة من وسائل التواصل الاجتماعي.
كذلك حاولت جوجل اقتحام عالم صناعة للإلكترونيات، فاخترعت نظارات ذكية، رغم نجاحها في البداية إلى أن سعرنا الكبير دفع مشروع تصنيعا للتوقف.
وكخلاصة جوجل في كل محاولة من أجل التطوير من نفسها اعتمدت على فكرة، أنك كما تجد كل ما تبحث عنه في محاركات بحثها بضغطة زر واحدة، فأنت ستصل إلى كل ما تحتاجه على هاتفك أو حاسوبك أو اللوحة الالكترونية الخاصة بك بنفس السهولة، الأمل الذي جعل نظام التشغيل الخاص بجوجل Android الاختيار الأول لأغلب شركات تصنيع الهواتف باستثناء شركة آبل طبعا.
والناس بدل أن تختار بين شركة آبل وشركة ثانية، أصبحت تختار بين آبل وأندرويد بغض النظر عن نوع الهاتف والشركة المصنعة له.
وقد وصلت جوجل لدرجة أنه تجري حوالي 2 مليون عملية بحث على محركات بحث جوجل المختلفة، في الدقيقة الواحدة حول العالم، ولك أن تتخيل حجم هذا الرقم الضخم.
هذا التطور والنجاح الذي وصلت إليه جوجل، بالرغم من أنه فتح أبواب جهنم في وجهها، إلى أنها كلما ظهر منافس في طريقها يبقى هو الخاسر.
ولكن بعد أن تعرفنا على قصة نجاح شركة جوجل، وبعض محطات فشلها يحق لنا أن نتساءل عن جوجل من أي جاءت؟
نعود لسنة 1996 الذي كانت فيه جوجل مشروع أطروحة دكتوراه، لطالبين في جامعة ستانفورد في كاليفورنيا، وهما لاري بيدج وسيرجي برين، كان عن طريق مجموعة كبيرة من الحسابات والمواقع التي تزود قاعدة البيانات عند جوجل، وبعدها بفترة اخترعوا محرك بحث جوجل يظهر المعلومة بضغطة واحدة، وهذه كانت خطوة من خطوات تطوير قاعدة البيانات التي ابتكروها.
وفي 15 سبتنبر 1997 تحول google لاسم ثاني وهو google. com، وجوجل عندما ظهرت في البداية وبعد أن أصبح اسمها google الذي نعرفه الآن، كان اسمها backrub، وهذا الاسم معناه تدليك الظهر، لأنه كان تشبيه لوظيفة البرنامج الذي تم اعتماده في التسعينات، والذي كان يقوم بتصفية المواقع، ويرتبها ويبحث عن المعلومة التي يريد المستخدم أن يصل إليها، عن طريق شبكة معقدة، ويحضر المعلومات ويعرضها أما المستخدم.
وسنة 1997 قرر مؤسسو جوجل تغير اسم backrub إلى اسم أسهل، وأبسط في الاستخدام، فاقترح أحد المؤسسين اسم google، والذي يعني رقم 1 أمامه مئة 0، وهذا كان الرقم الضخم الذي يعبر عن حجم المعلومات الضخمة التي تستطيع شركة جوجل تقديمها أثناء عملية البحث، والسرد، وتصنيف المعلومات، واقتنع المؤسسون بالاسم، وبدأوا بالبحث عن هذا الاسم هل هو متاح أم لا، لكن الاسم بالطريقة السليمة لم يكن متاحا، واختاروا شكل اسم google، الذي نعرفه اليوم جميعا.
وفي 4 سبتنبر 1998 أسسوا الشركة في مقر صغير، وفي نفس السنة وصل فهرس جوحل ل 60 مليون صفحة.
اندي بيكتو لشيم، مول جوجل بحوالي 100,000، دولار أمريكي، وهذا كان أول تمويل يضخ في حساب جوجل بعد تأسيسعا.
لكن في سنة 1999 الوضع تغير، وكبرت شركة جوجل، وأعلنت عن جولة من تمول رأس المال وكانت حينها بحوالي 25 مليون دولار أمريكي.
وسنة 2000 شركة جوجل بدأت تبيع إعلانات مرتبطة بكلمات رئيسية، بالبحث من أجل أن تزيد عدد المتابعات، في نفس السنة أصبح جوجل أول محرك بحث في العالم ويوتيوب في المركز الثاني، وفي 2004 انتهت الشراكة بين جوجل وياهو Yahoo بعد أربع سنوات، وبالمناسبة الشراكة عادت من جديد بين google و Yahoo، سنة 2015 لكن هذه للمرة بمليارات الدولارات.
بعدها طورت غوغل من نفسها بالطريقة التي تعرفنا إليها سابقا، ولكن هذا التطور كان على يد فرقة عديدة، العامل المشتركة بينها كان هو المهندس والمطور الهندي ساندر بيتشاري.
وقد عاش طفولته فقيرا، من مواليد 12 يوليو 1972 في جنوب الهند، وبدأ يشتغل في شركة جوجل ضمن فريق صغير يطور شريط أدوات جوجل في متصفحات الأنترنت، وكان من ضمن تطويرات هذا الفريق، أنه سمح بإضافة جوحل لمستخدمي internet explorer وفاير فوكس، وبالرغم من أن هذه الخدمة صغيرة، إلا أنها زادت من شعبية جوجل.
وهنا بدأ بيتشاري يلفت نظر شركة جوجل، فاقترح على جوجل أن يكون لها متصفح خاص بها، والذي نعرفه اليوم google chrome.
وفي سنة 2011 أصبح بيتشاري من بين نواب رئيس الشركة، والمتحدث الرسمي باسم الشركة، في المؤتمر السنوي للمطورين الذي تنظمه جوجل، وبعد التطور الكبير الذي أحدثة بيتشاري، حاولت شركات كبرى إقناعه بأن ينتقل عندها، لدرجة أن اسمه كان ضمن لائحة مترشحي تولي منصب الرئيس التنفيذي لشركة Microsoft، أكبر منافس لشركة جوجل، وكان قد سبق أن جاءه عرض من شركة تويتر سنة 2011، لكن بيتشاري قرر المواصلة مع جوجل، وبدأ يدخل على الأندرويد خدمة Gmail و google maps، وأشرف على تطوير خدمة google photos، كل هذا سمح له أن يتقلد منصب الرئيس التنفيذي لجوجل في 10 أغسطس 2015.
جوجل كذلك عملت على فتح مكاتب لها في معظم دول العالم، من أجل ضمان وصول خدماتها لأكبر نسبة ممكنة من الناس، الأمر الذي جعل الشركة تمتلك أكثر من مليون سيرفر على أقل تقدير، أي حوالي 2٪ من سيرفرات العالم، وهذا بعدما بدأت جوجل من سيرفر مساحته، 40 جيجا فقط، فلك أن تتخيل حجم البيانات المخزنة عندها، ولك أن تتوقع في أي شيء يمكن لها أن تستخدمه فيه.
شركة جوجل تخلت كذلك عن فكرة كانت عند المؤسسين، وهي مسألة عدم الرغبة في أن تكون الإعلانات جزء من جوجل، من أجل أن تكون تجربة الإستخدام لدى المستخدمين جيدة، لكن هذه الإعلانات بعد اعتمادها، هي التي حعلت دخل جوحل السنوي 20 مليار دولار أمريكي.
لكن قد تعتقد بأن النجاح الذي وصلت إليه جوجل بسبب كثرة عمل موظفي الشركة وإرهاقهم، لكن على العكس من ذلك شركة جوحل تحرص على راحة موظفيها.